فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تنبيهات مهمة:

{ولا تقربا هذه الشجرة}.
ونقل الطبري في تفسيره عن يعقوب بن عتبه أنه حدث أنها الشجرة التي تحتك بها الملائكة للخلد. اهـ.
وقال صاحب خواتم الحكم:
المراد من الشجرة، شجرة العلم والتوحيد، لأن كمال العلم والتوحيد، يقتضي مقام الخلافة، وهو الخروج إلى الدنيا، ليتحقق بمظاهر الجمال والجلال ويحصل له كمال العرفان، وأسماء الجلال والجمال، كالتواب والغفور والقهار والستار، وعبرت بالشجرة، لأن فيها الغصون، وللعلم والتوحيد شئون، ولها أثمار وأزهار ولها أسرار وأنوار.
وعن بعض الصوفية: أنها شجرة العلم يعني حصل له العلم، من حضرة الأسماء، أنه يخرج إلى الدنيا لكمال الخلافة الإنسانية، وتكميل مراتبها، فوقع في السبب الموجب للخروج من عالم الجنة إلى عالم الخلافة، الذي هو أكمل العوالم الكونية وحضراتها. اهـ.
وذكر ابن الجوزي في زاد المسير سبعة أقوال في المراد من الشجرة ذكر منها السنبلة، والكرم، التين، النخلة، شجرة العلم، الكافور، شجرة الخلد ونسب هذا القول الأخير لوهب بن منبه. اهـ.
وقال ابن عطية بعد أن ذكر أقوال المفسرين في الشجرة ما نصه: وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها، وعصى في الأكل منها، وفي حظره تعالى على آدم ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم، لأن المخلد لا يحظر عليه شئ، ولا يؤمر ولا ينهى. اهـ.
وقال في نظم الدرر:
ولا داعي لبيان نوع الشجرة؛ لأن السياق لبيان شؤم المخالفة وبركة التوبة، لا لتعيين المنهي عنه، فليس بيانه حينئذ من الحكمة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}:
أخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أرأيت آدم أنبيًا كان؟ قال: نعم. كان نبيًا رسولًا كلمه الله قبلًا، قال له {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قلت يا رسول الله من أول الأنبياء؟ قال: آدم. قلت: نبي كان؟ قال: نعم مكلم. قلت: ثم من؟ قال: نوح وبينهما عشرة آباء.
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبزار والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم قلت: يا رسول الله ونبي كان؟ قال: نعم. نبي مكلم. قلت: كم كان المرسلون يا رسول الله؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر. جمًا عفيرًا.
وأخرج عبد بن حميد والآجري في الأربعين عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ يعني الرسل قال: آدم قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: نعم. خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسوّاء قبلًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة الباهلي أن رجلًا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم. مكلم. قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون قال: كم بين نوح وبين ابراهيم؟ قال: عشرة قرون قال: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا. قال: يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر. جمًا غفيرًا.
وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة أن أبا ذر قال: «يا نبي الله أي الأنبياء كان أوّل؟ قال: آدم. قال: أو نبي كان آدم؟ قال: نعم. نبي مكلم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له يا آدم قبلًا. قلت: يا رسول الله كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا. الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر. جمًا غفيرًا».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب وابن عساكر في تاريخه عن الحسن قال: قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعته إليه، خلقته بيدك، ونفخت فيه من روحك، وأسكنته جنتك، وأمرت الملائكة فسجدوا له؟ فقال: يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه، فكان ذلك شكرًا لما صنعت إليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: خلق الله آدم يوم الجمعة، وأدخله الجنة يوم الجمعة، فجعله في حنات الفردوس.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن عباس قال: خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم، ثم عهد إليه فنسي فسماه الإِنسان قال ابن عباس: فتالله ما غابت الشّمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة إلى الأرض.
وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال: لبث آدم في الجنة ساعة من نهار. تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا.
وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: ما كان آدم عليه السلام في الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر.
وأخرج عبد الله في زوائده عن موسى بن عقبة قال: مكث آدم في الجنة ربع النهار، وذلك ساعتان ونصف، وذلك مائتا سنة وخمسون سنة، فبكى على الجنة مائة سنة.
أما قوله تعالى: {وزوجك}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشًا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة قال: ولم خلقت؟ قالت لتسكن إليّ قالت له الملائكة ينظرون ما يبلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء. لم سميت حوّاء؟ قال: لأنها خلقت من حي فقال الله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}.
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد قال: نام آدم فخلقت حواء من قصيراه، فاستيقظ فرآها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا أسا. يعني امرأة بالسريانية.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضلع، وأن أعوج شيء من الضلع رأسه، وإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته تركته وفيه عوج. فاستوصوا بالنساء خيرًا».
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال: إنما سميت حواء لأنها أم كل شيء حي.
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر من وجه آخر عن ابن عباس قال: إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء لأنها أم كل حي.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن عطاء قال: لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى مدبرًا وهو يلتفت أحيانًا ينظر هل عصى ربه أحد غيره. فعصمهم الله ثم قال الله لآدم: قم يا آدم فسلم عليهم.
فقام فسلم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة فقال الله لملائكته: زعمتم أنكم أعلم منه {انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك} إن العلم منك ولك، ولا علم لنا إلا ماعلمتنا، فلما أقروا بذلك {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم} فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خلق ربي. فكل شيء سمي آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدعو كل شيء باسمه حين يمر بين يديه حتى بقي الحمار وهو أخر شيء مر عليه. فجاء الحمار من وراء ظهره فدعا آدم: أقبل يا حمار. فعلمت الملائكة أنه أكرم على الله وأعلم منهم، ثم قال له ربه: يا آدم ادخل الجنة تحيا وتكرم، فدخل الجنة فنهاه عن الشجرة قبل أن يخلق حواء. فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة، ولا يسكن إليه، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه، فالقى الله عليه النوم وهو أوّل نوم كان، فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر، فخلقت حواء منه، فلما استيقظ آدم فجلس، فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر، ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع، وكان الله علم آدم اسم كل شيء، فجاءته الملائكة فهنوه وسلموا عليه فقالوا: يا آدم ما هذه؟ قال: هذه مرأة قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء فقيل له: لم سميتها حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي. فنفخ بينهما من روح الله فما كان من شيء يتراحم الناس به من فضل رحمتها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أشعث الحداني قال: كانت حواء من نساء الجنة، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت ذكر أم أنثى من صفاتها.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال: لما خلق الله آدم وخلق له زوجته، بعث إليه ملكًا، وأمرة بالجماع ففعل، فلما فرغ قالت له حواء: يا آدم هذه طيب زدنا منه.
أما قوله تعالى: {وكلا منها رغدًا}.
أخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال: {الرغد} الهنيّ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الرغد} سعة المعيشة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكلا منها رغدًا حيث شئتما} قال: لا حساب عليكم.
أما قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة. وفي لفظ البر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: الشجرة التي نهى الله عنها آدم البر، ولكن الحبة منه في الجنة كمكلي البقر، ألين من الزبد، وأحلى من العسل.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: هي السنبلة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهى عنها آدم. الكرم.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود. مثله.
وأخرج وكيع وابن سعد وابن جرير وأبو الشيخ عن جعدة بن هبيرة قال: الشجرة التي افتتن بها آدم الكرم، وجعلت فتنة لولده من بعده، والتي أكل منها آدم العنب.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هي اللوز. قلت: كذا في النسخة وهي قديمة، وعندي أنها تصحفت من الكرم.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: بلغني أنها التينة.
وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال: هي تينة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: هي التين.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: هي النخلة.
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: هي الأترج.
وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الحيائي قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته شبه البر. تسمى الرعة، وكان لباسهم النور.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: كانت الشجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكل شيء خلق مبتلى، ولم يدع الله شيئًا من خلقه إلا ابتلاه بالطاعة، فما زال البلاء بآدم حتى وقع فيما نهي عنه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ابتلى الله آدم فأسكنه الجنة يأكل منها رغدًا حيث شاء، ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها، وقدم إليه فيها. فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، فبدت له سوءته عند ذلك، وكان لا يراها فأهبط من الجنة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الجملة من قوله: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} معطوفة على جملة {إذ قُلْنَا} لا على {قلنا} وحده لا خلاف زمنيهما.
و{أنت} توكيد للضمير المستكن في {اسكن} ليصح العطف عليه {وزوجك} عطف عليه، هذا هو مذهب البَصْرِيين، أعني اشتراط الفعل بين المُتَعَاطفين إذا كان المعطوف عليه ضميرًا مرفوعًا متصلًا، ولا يشترط أن يكون الفاصل توكيدًا؛ بل أي فصل كان، نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148].
وأما الكوفيون فيجيزون ذلك من غير فاصل؛ وأنشدوا: الخفيف.
قُلْتُ إذْ أَقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى ** كَنِعَاجِ الفَلاَ تَعَسَّفْنَ رَمْلا

وهذا عند البصريين ضرورة لا يقاس عليه، وقد منع بعضهم أن يكون {زوجك} عطفًا على الضمير المستكن في {اسكن} وجعله من عطف الجُمَلِ، بمعنى أن يكون {زوجك} مرفوعًا بفعل محذوف، أي: وَلْتَسْكُنْ زَوْجُكَ فحذف لدلالة {اسكن} عليه، ونظيره قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ} [طه: 58] وزعم أنه مذهب سيبويه، وكان شبهته في ذلك أن من حَقّ المعطوف حلوله محل المعطوف عليه، ولا يصح هنا حلول {زوجك} محلّ الضمير لأنّ فاعل فعل الأمر الواحد المذكور نحو: قُمْ واسْكُن لا يكون إلا ضميرًا مستترًا وكذلك فاعل يفعل، فكيف يصح وقوع الظاهر المضمر الذي قبله؟ وهذا الذي يزعم ليس بشيء؛ لأنَّ مذهب سيبويه بنصّه يخالفه؛ ولأنه لا خلاف في صحّة: تقوم هند وزيد ولا يصحّ مُبَاشرةُ زيد لا تقوم لتأنيه.
والسُّكُون والسُّكَنى: الاستقرار، ومنه المِسْكِينُ لعدم حركته وتصرّفه، والسّكين لأنها تقطع حركة المَذْبوح، والسَّكينة لأن بها يذهب القَلَقُ.
وسكّان السفينة عربي لأنه يسكنها عن الاضطراب، والسّكن: النار.
قال الشاعر: مشطور السريع.
..... ** قَدْ قُوِّمَتْ بِسَكَنٍ وَأَدْهَانْ

والجَنّ: مفعول به لا ظرف، نحو: سكنت الدَّار.
وقيل: هي ظَرْف على الاتساع، وكان الأصل تعديته إليها بفي لكونها ظرف مكان مختصّ، وما بعد القول منصوب به.
و{رَغَدًا} نعت لمصدر مَحْذوف، وقد تقدم أن مذهب سيبويه في هذا ونحوه أن ينتصب حالًا.
وقيل: هو مصدرٌ في موضع الحال أي: كُلاَ طَيِّبَيْنِ مُهَنَّأَيْنِ.
وقرأ النَّخْعي: وابن وَثّاب: {رَغْدًا} بسكون الغَيْنِ، وهي لغة تميم.
وهذا فيه نظر، بل المنقول أن فَعْلًا بسكون العين إذا كانت عينه حَلْقِية لا يجوز فتحها عند البصريين؛ إلاّ أن يسمع فيقتصر عليه، ويكون ذلك على لُغِتِيْن؛ لأن إحداهُما مأخوذة من الأخرى.
وأما الكوفيون فبعض هذا عندهم ذو لُغَتِيْنِ، وبعضه أصله السّكون، ويجوز فتحه قياسًا، أما أن فَعَلًا المفتوح العين الحَلْقِيها يجوز فيه التسكين، فيجوز في السَّحر: السَّحْر، فهذا لا يجيزه أحد.
والرَّغد الواسع الهنيء؛ قال امرؤ القيس: الرمل:
بَيْنَمَا المَرْءُ تَرَاهُ نَاعِمًا ** يَأْمَنُ الأَحْدَاثُ في عِيْشٍ رَغْدٍ

ويقال: رَغُدَ عيشهم- بضم الغَيْن وبكسرها- وأرغد القوم: صاروا في رَغَدٍ.
{حَيْثُ شِئْتُمَا} حيث: ظرف مكان، والمشهور بناؤها على الضم لشبهها بالحرف في الافتقار إلى جملة، وكانت حركتها ضمة تشبيهًا بقَبْلَ وَبَعْدَ.
ونقل الكسائي إعرابها عن قيس.
وفيها لغات: حَيْث بتثليث الثاء، وحَوْث بتثليثها أيضًا، ونقل: حَاثَ بالألف.
وهي لازمة الظرفية لا تتصرف، وقد تجر بمن كقوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] وهي لازمة للإضافة إلى جملة مطلقًا، ولا تضاف إلى المفرد إلا نادرًا؛ قالوا: الرجز:
أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهِيْلٍ طَالِعَا

وقال آخر: الطويل:
وَنَطْعَنُهُمْ تَحْتَ الحُبَى بَعْدَ ضَرْبِهِمْ ** بِبيضِ المَوَاصْي حَيْثُ لَيَّ العَمَائِمِ

وقد تزداد عليها ما فتجزم فعلين شرطًا وجزاءً كإن، ولا يجزم بها دون ما خلافًا لقوم، وقد تُشْرَبُ معنى التعليل، وزعم الأخفش أنها تكون ظرف زمان، وأنشد: المديد.
لِلْفِتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ ** حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ

ولا دليل فيه، لأنها على بابها.
والعامل فيها هنا كُلاَ أي: كلا أي مكان شئتما توسعه عليهما.
وأجاز أبو البقاءِ أن تكون بدلًا من {الجنة} قال: لأنّ الجنة مفعول بهما، فيكون حيث مفعولًا به. وفيه نظر؛ لأنها لا تتصرّف كما تقدّم إلا بالجر بمن.
و{شئتما} الجملة في محلّ خفض بإضافة الظرف إليه.
وهل الكسرة التي على لاشين أصل كقولك: جئتما وخفتما، أو محوّلة من فتحة لتدلّ على ذوات الياء نحو: يعتمد؟
قولان مبنيان على وزن شاء ما هو؟ فمذهب المبرد أنه: فَعَل بفتح العين، ومذهب سيبويه فَعِل بكسرها، ولا يخفى تصريفهما.
قوله: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} لا ناهية وتَقْرَبَا: مجزوم بها حذفت نونه.
وقرئ: {تِقْرَبَا} بكسر حرف المُضَارعة، والألف فاعل، وتقول: قَرِبْتُ الأمر أَقْرَبَهُ- بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع أي: التسبب به.
وقال الجَوْهَرِيّ قَرُبَ بالضم- يَقْرُبُ- قُرْبًا أي دنا.
وَقَرْبِتُه- بالكسر- قِرْبَانًا دنوت منه.
وَقَرَبت- أَقْرَبُ- قِرَابَةً- مثل: كَتَبت- أَكْتُبُ- كِتَابَةً- إذا سِرْتَ إلى الماء وبينك وبينه ليلة.
وقيل: إذا قيل: لا تَقْرَب- بفتح الرَّاء كان معناه- لا تلتبس بالفِعْلِ، وإذا قيل: لا تَقْرَب- بالضَّم- لا تَدْنُ منه.
و{هذه} مفعول به اسم إشارة للمؤنث، وفيها لُغات: هَذِيِ وَهَذِهِ وهَذِهِ بِكسر الهاء بإشباع ودونه و{هَذِه} بسكونها و{هذِهْ} بكسر الذال فقط، والهاء بدل من الياء لقربها منها في الخفاء.
قال ابن عطية ونقل أيضًا عن النَّحاس وليس في الكلام هاء تأنيث مكسور ما قبلها غير {هذه} وفيه نظر؛ لأن تلك الهاء التي تدلُّ على التأنيث ليست هذه؛ لأن تيك بدل من تاء التأنيث في الوقف، وأما هذه الهاء فلا دلالة لها على التأنيث، بل الدَّال عليه مجموع الكلمة كما لا يقال: الياء في هذي للتأنيث، وحكمها في القرب والبعد والتوسُّط، ودخول هاء التنبيه وكاف الخطاب حكم ذا وقد تقدم.
ويقال فيها أيضًا: تيكَ وتيلك وتَالِكَ؛ قال: الوافر:
تَعَلَّمْ أَنَّ بَعْدَ الغَيِّ رُشْدًا ** وأَنَّ لِتَالِكَ العُمْرِ انْكِسَارًا

قال هشام: ويقال: تَا فَعَلَتْ؛ وأنشد الطويل:
خَلِيلِيِّ لَوْلاَ سَاكِنُ الدَّارِ لَمْ أقِمْ ** بِتَا الدَّارِ إِلاَّ عَابِرَ ابْنِ سَبِيلِ

والشجرة بدل من هذه.
وقيل: نعت لها لتأويلها بمشتقِّ، أي: بهذه الحاضرة من الشجر.
والمشهور أنَّ اسم الإشارة إذا وقع بعده مشتقّ كان نعتًا له، وإن كان جامدًا كان بدلًا منه.
والشجرة واحدة الشجر: اسم جنس، وهو ما كان على ساقٍ، وله أغصان، وقيل: لا حاجة إلى ذلك لقوله تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} مع أنها كالزرع والبِطِّيخ، فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجرًا.
قال المبرد: وأحسب كلّ ما تفرعت له عِيدان وأغصان، فالعرب تسميه شجرا في وقت تشعبه.
وأصل هذا أنه كلما تشجر، أي: أخذ يَمْنَةٍ ويسره، يقال: رأيت فلانًا قد شجرته الرّماح، قال تعالى: {حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] وتَشَاجَرَ الرجُلاَنِ في أمر كذا.
وقرئ: {الشَّجَرة} بكسر الشين والجيم، وبإبدالها ياءً مع فتح الشِّين، وكسرها؛ لقربها منها مخرجًا؛ كما أبدلت الجيم منها في قوله: الرجز:
يَارَبِّ لإِنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتجْ ** فَلاَ يَزالُ شَاححٌ يَأْتِيكَ بِخْ

يريد: حجّتي وبي.
وقال الراجز أيضًا: الرجز:
خَالِي عُوَيْفٌ وأبو عَلِجْ ** أَلمُطْعِمَانِ اللَّحْمِ بالعِشِجّ

يريد: أبو عَلِيّ، وبالْعَشِيّ.
وقال الشاعر في شيَرَة: الطويل:
إذَا لَمْ يَكُنْ فِيكُنَّ ظِلٌّ وَلاَ جَنَى ** فَأَبْعَدَكُنَّ اللهُ مِنْ شِيرَاتِ

وقال أبو عمرو: إنما يقرأ بها برابر مكة وسودانها، وجمعت الشَّجَرَةِ على شَجْرَاء، ولم يأت جمع على هذه الزِّنَةِ إلا قَصَبة وقَصْبَاء، وطَرَفَة وطَرْفَاء، وحَلَفَة وحَلْفَاء.
وكان الأصمعي يقول: حَلِفَة- بكسر اللام وعند سيبويه أن هذه الألفاظ واحدة وجمع.
والمشجرة: موضع الأشجار، وأرض مشجرة، وهذه الأرض أشجر من هذه أي أكثر شجرًا، قاله الجوهري.
قوله: {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فتكونا: فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون مجزومًا عطفًا على {تَقْرَبا}؛ كقوله: الطويل:
فَقُلْتُ لَهُ صَوِّبْ وَلاَ تَجْهَدَنَّهُ ** فِيُدْرِكُ مِنْ أَعْلَى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ

والثَّاني: أنه منصوب على جواب النَّهْي لقوله تعالى: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ} [طه: 81] والنصب بإضمار أن عند البَصْريين، وبالفَاءِ نفسها عند الجرمي، وبالخلاف عند الكوفيين.
وهكذا كل ما يأتي مثل هذا.
و{الظَّالِمِينَ} خبر كان.
والظلم: وضْع الشَّيْ في غَيْرَ موضعه، ومنه قيل للأرض الَّتي لم تستحقَّ الحَفْر، فتحفر: مَظْلُومة، قال النابغة: البسيط:
إِلاَّ الأَوَارِيَّ لأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا ** وَالنُّؤْيُ كَالحَوْضِ بَالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ

وقيل: سميت مظلومةً؛ لأنَّ المَطَر لم يأتها، قال عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ: الكامل:
ظَلَمَ البِطَاحَ بِهَا انْهِلاَلُ حَرِيصَةٍ ** فَصَفَا النِّطافُ بِهَا بُعَيْدَ المُقْلِعِ

وقالوا: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ؛ قال: الرجز:
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيُّ في الكَرَمْ ** وَمَنْ يُشَابِهُ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

اهـ. باختصار.